{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34)}{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتقوا} وذلك أن أحياء العرب كانوا يبعثون أيام الموسم من يأتيهم بخبر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا جاء سأل الذين قعدوا على الطرق عنه، فيقولون: شاعر وساحر وكاهن وكاذب ومجنون ويفرّق الأخوان ويقولون: إنه لو لم تلقه خير لك، فيقول السائل: أنا شرّ داخل إن رجعت إلى قومي دون أن أدخل مكة وأستطلع أمر محمّد أو ألقاه، فيدخل مكة فيرى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبرونه بصدقه وأنه نبي مبعوث، فذلك قوله تعالى: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتقوا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً}.فإن قيل: لِمَ ارتفع جواب المشركين في قولهم {أَسَاطِيرُ الأولين} وانتصب في قوله: {خَيْراً}.فالجواب: أن المشركين لم يؤمنوا بالتنزيل فلما سئلوا قالوا: {أَسَاطِيرُ الأولين} يعني الذي يقوله محمد صلى الله عليه وسلم أساطير الأولين، والمؤمنين إنما كانوا مقرّين بالتنزيل، فإذا قيل لهم: {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً} يعنون أنزل خيراً.ثمّ ابتدأ فقال: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هذه الدنيا حَسَنَةٌ} كرامة من الله، {وَلَدَارُ الآخرة خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ المتقين} ثمّ فسرّها فقال: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} بدل عن النار، فلذلك ارتفع {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ كَذَلِكَ يَجْزِي الله المتقين * الذين تَتَوَفَّاهُمُ الملائكة طَيِّبِينَ} مؤمنين. مجاهد: زاكية أعمالهم وأقوالهم.{يَقُولُونَ} يعني في الآية {سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادخلوا الجنة بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.قال القرظي: إذا استنقعت نفس العبد المؤمن جاءه ملك الموت فقال: السلام عليك وليّ الله، الله يقرأ عليك السلام ويبشرك بالجنة.{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الملائكة} يقبضون أرواحهم.{أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} يعني يوم القيامة، وقيل: العذاب {كَذَلِكَ فَعَلَ الذين مِن قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ الله} بتعذيبه إياهم {ولكن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ} عقوبات كفرهم وأعمالهم الخبيثة.{وَحَاقَ} نزل {بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}.